اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


اذاً، بعد الذي حدث في تلة الكابيتول، بالتنسيق مع البيت الأبيض والبنتاغون، لا مجال للرهان على أي انقشاع وشيك في المشهد الدولي الملبد، يمكن أن يحدّ من الاحتمالات الدرامية التي تنتظرنا في لبنان والمنطقة. الخشية من الدخول أكثر فأكثر في... ضوضاء الدم.

مرحلة جديدة، ربما أكثر ضراوة من الصراع في أوكرانيا. الأموال والأسلحة الأميركية على وشك الوصول الى هناك. هذه المرة وعلناً، كمية اضافية من المستشارين الذين لمّحت مجلة "Dfense News"  الى أنهم من ألمع ضبط الميدان، وبعضهم قاتل في أفغانستان وفي العراق. ربما كان الهدف الاعداد لهجوم مضاد، بعدما توالت المعلومات حول اعتزام القيادة الروسية شن عملية صاعقة لتدمير ما تبقى من الخطوط الدفاعية، التي تحول دون الوصول الى رأس فولوديمير زيلنسكي.

المستشارون ومعهم ضباط احتياط "اسرائيليون"، لن يذهبوا الى هناك بخوذاتهم الحديدية فقط، وانما بتقنيات هجومية ودفاعية أكثر تطوراً، وعلى تواصل مباشر مع الأقمار الصناعية ذات المهمات العسكرية البحتة.

هذا تزامناً وتداخلاً مع تزويد "اسرائيل" بامكانات مالية وتكنولوجية اضافية، لتزداد حكومة نتنياهو جنوناً، وان كان جاك نيريا لا يرى أي "جدوى من ترميم هياكلنا العظمية". حتماً "الاسرائيليون" لن يعودوا كما كانوا، والفلسطيينيون لن يعودوا كما كانوا. تصوروا أي نوع من البربرية تمارس ضد الفلسطينيين. بكل ذلك الصمت الرهيب والمريب، مرّ خبر مصرع 40 شاباً فلسطينياً في مخيم "نور شمس". حرب ابادة في زمن العرب البائدة...

مصطلح "العرب البائدة"، وفقاً لما قاله النسّابون العرب، هم السكان الأصليون لشبه الجزيرة العربية، (ومنهم عاد، وثمود، والعماليق...) وقد انقرضوا كلهم قبل ظهور الاسلام. أما نحن  العرب العاربة، وكما يقول أدونيس، ففي طريقنا حفاة  أو بأحذيتنا الذهبية الى الانقراض ما دمنا لم نحاول، بثقافة تأبط شراً، أن يكون لنا موطئ قدم لذبابة أو لدجاجة اذا شئتم، في هذا القرن.

لا صوت في المنطقة يعلو على الصوت الأميركي. لبنانياً عودة على عكاز خشبي الى مربط خيلنا باريس، وان لم تعد لنا خيول الا في مخيلة شعراء الزجل. ولكن حسب علمنا الأميركيون لم يتركوا أي دور، بما في ذلك الدور الديبلوماسي، للأوروبيين. رغماً عنهم لا يستطيعون أن يكونوا أكثر من ظلال استراتيجية. هذا ما جعل ايمانويل ماكرون يـتأرجح بين خيوط العنكبوت.  كيف لفرنسا البونابرتية أو الديغولية، بكل حمولتها الثقافية الفذة، أن تكون القهرمانة في البلاط الأميركي؟

"اللجنة الخماسية" وفي الظروف الراهنة، فرقة فولكلورية للرقص الديبلوماسي. الطريق الأميركي مقفل، وكذلك الطريق السعودي. لا طريق امامنا سوى طريق باريس، التي  بدورها  لا طريق لها الى الشرق الأوسط سوى طريق بيروت. ولكن كيف لماكرون، بمواقفه السريالية ضد ايران، (تملقاً للبيت الأبيض أم تملقاً للوبي اليهودي؟) أن يعيد لبلاده شيئاً من دورها أو من ألقها.

بالرغم من ذلك، قد يكون الدور الفرنسي ضرورياً بالحد الأدنى على الأقل  لضبط الايقاع الداخلي، اذا تمكن من أن يعيد الى الوعي أولئك الذين لا يزالون في اجترارهم لليل القناصل في القرن التاسع عشر، من خلال التأجيج السياسي والطائفي، ما قد يدفع  في لحظة ما هذه الجمهورية البائسة الى الانفجار.

هؤلاء يدركون أن تفاهماً أميركياً ـ ايرانياً هو الذي حال دون الصدام العسكري. أي دولة أو أي دول ستبقى؟ لكن الادارة لا تزال ماضية في عقوباتها ضد آيات الله، لتوحي لديناصورات "الايباك"، في السنة الانتخابية، بـ "أننا في اتصالاتنا لن نبيع رأس بنيامين نتياهو".

ذلك التفاهم اذا امتد لبنانياً، أكثر اهمية بكثير من دوران "اللجنة الخماسية" في حلقة مقفلة،  أعضاؤها يدركون ذلك. لا ندري كيف قبل السفير المصري علاء موسى، كديبلوماسي دمث ومميز، أن يكون الناطق باسم لجنة وجدت صورياً لملء الوقت الضائع بالكلام الضائع.

رجاء يا سعادة السفير، كفّ عن الكلام. اننا نحب مصر كما كانت، ونحب المصريين كما كانوا. لا تكن كيفما كان من شاشة الى شاشة ، غواية الضوء في لبنان، بقدر ما هي جاذبة بقدر ما هي قاتلة.

لقد سئمنا من مقامات بديع الزمان الهمذاني، ومن الطباق والجناس، لنعيد أمامك ما قالته صحيفة "الايكونوميست"  في آب 1947   "حين تزهو مصر يزهو العالم العربي، وحين تذوي يذوي العالم العربي". أنت تعلم كيف نتنقل من خراب الى خراب، ومن فراغ الى فراغ...