اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يبقى الكرسي الرسولي المقصد والملجأ الأساسي لكل الشعوب المأزومة والتي تتعرض لمعاناة وخوف على المصير، لا سيما في الظروف التي تشبه الأوضاع المصيرية والخطرة التي تعصف بالمنطقة الشرق أوسطية، ولا سيما لبنان الذي يمرّ في أحلك الظروف سياسياً ومالياً وإجتماعياً. وفي هذا السياق، يقول سفير لبنان في دولة الفاتيكان الدكتور فريد الخازن لـ "الديار": "أن الكرسي الرسولي مهتم جداً بالملف اللبناني، وهناك اهتمام ثابت وجدي لديه، ولو أنه انشغل بملفات أخرى كالحرب في غزة، لكن ذلك لم يشغلهم عن لبنان، وقد لمسنا ذلك منذ اليوم الأول للأزمة، بحيث أرسل البابا فرنسيس دعماً إنسانياً إلى لبنان عبر المؤسسات التابعة للفاتيكان، وهذه المساعدات هي إنسانية وصحية في غالبيتها، وعدا ذلك، هناك متابعة للأوضاع السياسية واتصالات مع كافة الدول المعنية بالملف اللبناني، وذلك بعيداً عن الإعلام"، ويشير الخازن، "إلى قلق في الفاتيكان من إطالة أمد الشغور الرئاسي، وأيضاً من تداعيات حرب غزة على لبنان، فالمسؤولون الفاتيكانيون يقومون باتصالاتهم، ولكن الأزمة لا تتعلّق فقط بالدعم الخارجي، إنما هي تتعلّق بأداء اللبنانيين، لأن الفاتيكان وغيره من الأطراف الخارجية لا يمتلكون أي حلول سحرية، تمكنهم من حل الأزمة الداخلية، كما أزمة الإنهيار المالي على سبيل المثال، أو أي أزمات أخرى، إذ هناك حرص من الفاتيكان واهتمام واضح بلبنان، وأنا ألمس ذلك من خلال تعاملي اليومي معهم، فالملف اللبناني ثابت ودائم في روزنامة الفاتيكان، وتركيزهم على الوضع اللبناني لم يتبدّل رغم ما يحصل في غزة ومناطق أخرى".

وحول هواجس لدى الفاتيكان من مستقبل المسيحيين في لبنان، يجيب السفير الخازن، أن "هذا الهاجس موجود، لكن ليس على المسيحيين فقط، إنما على صعيد كافة اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين، فالفاتيكان مهتم بالعيش المشترك في لبنان، وموضوع الحقوق لكل المواطنين والإصلاح، وليس لجهة لبنانية على حساب أخرى، والبابا فرنسيس منفتح جداً على كل القوى في المنطقة، وقد زار دولة الإمارات، ووقّع وثيقة الأخوة الإنسانية، وفي هذا الإطار، فإن رسالة البابا يوحنا بولس الثاني وكلامه عن لبنان الرسالة يقصد فيه الحريات والتعدّدية، وهي ما يميّز لبنان وما يريده الفاتيكان أن يبقى على ثباته، وهذه الثوابت جوهرية بالنسبة للبنانيين وللفاتيكان، وإذا أراد أحد أن يحيد عنها يوماً، سيسبِّب ذلك مشكلة".

ويؤكد الخازن، أن "المظلّة الفاتيكانية قائمة على الدوام فوق لبنان"، مبدياً خشيته من أن "تتوسّع الحرب من غزة باتجاه لبنان، ولا سيما أن نتنياهو يمارس حربه المجنونة من دون أي ضوابط، فنتنياهو اليوم أسوأ من نتنياهو التسعينات". ويشدِّد على أن "الفاتيكان يدعم حل الدولتين، وهو ما أثار استياء اليهود في العالم وإسرائيل، وضغطوا على الكرسي الرسولي لحمله على تبنّي السردية الإسرائيلية، لكن الفاتيكان بقي مصرّاً على موقفه وقد استخدم وزير الخارجية بارولي كلمة مجزرة عندما تحدّث عما تقوم به إسرائيل".

وعلى صعيد الوضع في الجنوب، يعتبر الخازن أنه "من غير الممكن التنبوء بما قد تقوم به إسرائيل اليوم"، حيث يتحدث الخازن عن "مطالبة لبنان بتطبيق القرر 1701 وإن لم يحصل التزام بما يعرض اليوم ولا أعرف ما يعرضه هوكشتاين، فلا أحد يعلم ما الذي ستفعله اسرائيل، لكن نحن اليوم في حالة انهيار وكل العناصر الإقليمية في المنطقة قد تغيرت بشكل جذري، بمعنى أنه لم يبقَ حجر على حجر في العديد من بلدان المنطقة، فسوريا لا تشبه سوريا الماضي، وكذلك العراق أو فلسطين أو إسرائيل أو حتى أوروبا أو أميركا أو روسيا، فكل شيء تغيّر، وهذا مصدر خطر على الطرف المعرّض مثل لبنان، لذلك يجب إعادة الحسابات".

وعن موقف للفاتيكان، يؤكد الخازن وجود "متابعة حثيثة ويومية للملفات في لبنان، حيث إن كل شيء يُدرس بشكل دقيق في الفاتيكان وهناك إدارة ومؤسسات وماكينة عمل ضخمة".

وحول ما يحكى عن استياء فاتيكاني من التشرذم المسيحي في لبنان، يقول الخازن إنها "ليست المرة الأولى التي يكون فيها خلافات بين أكثر من طرف مسيحي على الساحة المسيحية، وليست المرة الأولى التي يختلفون فيها والفاتيكان، وكلنا نفضّل ألا تكون التباينات كبيرة وأن يتم التوافق حول الأمور المصيرية، ولكن هذا لا يعطل الدور والإرادة لدى الفاتيكان تجاه لبنان، وفي الوضع الحالي، فإن الخلافات الداخلية تؤثر سلباً في المشهد العام وليس فقط داخل الساحة المسيحية بل على الجميع".

وهل من كاردينال مكلّف من قبل الفاتيكان متابعة الملف اللبناني؟ يؤكد الخازن، أن "السفير البابوي في لبنان مطلّع ويلتقي كل القوى السياسية، وليس من تكليف لشخص محدّد بالملف اللبناني"، لكنه لا يستبعد أن يزور موفد فاتيكاني لبنان ويواكب المستجدات على الساحة اللبنانية.

ويذكِّر الخازن بالمؤتمر حول لبنان الذي نُظِّم في تموز 2021، مشيراً إلى أنه كان "لقاءً تاريخياً هو الأول في الفاتيكان لرؤساء الكنائس، واستمر يوماً كاملاً وكان مخصّصاً للبنان تحت عنوان يوم لبنان في الفاتيكان حضره البابا فرنسيس شخصيا، وهو ما يحصل للمرة الأولى وشارك فيه البطاركة الكاثوليك الأربعة وبطاركة الأرمن الأورثوذكس والروم الأورثوذكس والبروتستانت ومطران اللاتين، وغاب فقط بطريرك الأرمن الكاثوليك بسبب شغور المركز".

الأكثر قراءة

بطة عرجاء لتسوية عرجاء