اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

إذاً، عقدت قمة عربية ـ إسلامية في الرياض في تشرين الاول 2023، بعد اكثر من شهر من إعلان "إسرائيل" الحرب على قطاع  غزة، بمساعدة دول المعسكر الغربي التابعة للولايات المتحدة الأميركية، التي سارعت منذ أن اشتعلت هذه الحرب في 7 تشرين أول الماضي لإرسال أساطيلها إلى شرق المتوسط، توازياً مع  إطلاق حملة دعائية ـ إعلامية تحريضية مجموعة عالمية ابتغت من ورائها، كالعادة تجريم الشعب المعتدى عليه وتبرئة المستعمر المعتدي، مستخدمة الأكاذيب والانكار كالعادة، لا جديد تحت الشمس من جهة المستعمرين سفاكي دماء "المعذبين في الأرض".

من البديهي أن الناس المعنيين، كفوا بحكم التجربة عن انتظار شيء من القمة، عندما "كانت عربية"، اما وقد صارت إسلامية ـ عربية، فإن السؤال عن جدواها مطروح من جديد، بعد مضي حوالى ستة وخمسين عاماً على قمة الخرطوم الشهيرة "بلاءاتها الثلاث"، عشية الهزيمة الماحقة التي لحقت بنا في حزيران 1967  تحت قيادات جاهلة، كانت تفتقر بالقطع للكفاءة . لا نجازف بالكلام اليوم أن لاءات  الخرطوم ( لا اعتراف ، لا تفاوض ، لا صلح ) محيت من قاموس "قمم الحكام" إذا جاز  التعبير ، وأن المجتمعات العربية تغيرت، وربما  تبدلت على مدى  السنوات الخمسين الماضية . ولكن هذا موضوع  آخر .

مجمل القول، ان الهزيمة في حزيران 1967، أثرت عظيم الأثر في الرئيس المصري، فقتله المرض سنة 1970، وأن نصف الانتصار ونصف الهزيمة في حرب 1973، اللذين جعلا الملك السعودي يظن أنه "ملك العرب" بعد غياب منافسه المصري، أدّيا إلى موته غيلة في آذار 1975 . الرأي عندنا أنه نجم عن غياب هاتين الشخصيتين في الساحة العربية متغيرات وتحولات جذرية . هذا أيضاً موضوع آخر .

يعيدنا هذا كله، في اعتقادنا إلى نقطة الصفر. المقصود هنا سنة 1945 تاريخ الاجتماع الذي تم بين الملك السعودي عبد العزيز من جهة والرئيس الأميركي روزفلت من جهة ثانية، على ظهر طراد أميركي كان يرسي في البحيرة المرة في قناة السويس، حيث تم التوصل إلى تفاهمات كوينسي باسم الطراد الأميركي، التي لم تعرف تفاصيلها، ولكن على الأرجح وبحسب الروايات، انه تم إنجاز اتفاقية بين الطرفين مدتها 60 عاماً، اشتملت على مواضيع مثل أمن المملكة السعودية، استغلال النفط، ومسألة "اللاجئين اليهود الأوروبيين" إلى فلسطين .

لا بد من الإشارة هنا، إلى أنه أيا كانت مضامين تفاهمات كوينسي بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، فإن الثروة النفطية تمثل جزءاً هاماً من التغطية التي يرتكز عليها الدولار الأميركي، أو المدماك النقدي الدولار النفطي (البترو دولار)، كما أن اللاجئين من اليهود الأوروبيين إلى فلسطين، أقاموا في سنة 1948 في فلسطين ( دولة الأمة اليهودية) ، بعد أن أجبروا غالبية الفلسطينيين الأصليين على اللجوء إلى البلدان المجاورة، حيث أقاموا في "مخيمات اللاجئين"، ثم بادروا فيما بعد، انطلاقاً من هذه الدولة، إلى شن الحروب برعاية وحماية أميركية ـ غربية، حيث احتلوا كل فلسطين وتمددوا في البلدان العربية المجاورة، بينما استطاع الرعاة والحماة توازيا مع دعمهم "لإسرائيل"، توظيف وكلائهم في المنطقة في تقويض دعائم ركائز الانتماء الوطني لدى الفرد والجماعة في هذه البلدان، وصولا إلى "صلح أوسلو" في سنة 1993، عندما بدؤوا بتطبيق خطة إخلاء فلسطين من الفلسطينيين، بواسطة التمييز العنصري والقمع والسجن الكيفي والإذلال وغيرها من طرائق التصفية العنصرية.

من نافلة القول، أن القمم العربية التي انعقدت تحت لواء الجامعة العربية، اختلفت جذرياً في سنوات السبعين، عما كانت عليه قبل وفاة جمال عبد الناصر وقبل اغتيال الملك السعودي فيصل، وتحديداً بعد توقيع الحكومة المصرية، ثم منظمة  التحرير الفلسطينية اتفاقيات صلح مع دولة "إسرائيل" . ألم تعقد قمم عربية، في حضور ممثلي الولايات المتحدة الأميركية، لطرد العراق ثم في حضور تركي، لطرد ليبيا وسورية ؟؟ إلى حد أن السيد زلنسكي، الرئيس الأوكراني، المتفاهم جداً مع "اسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية ودول حلف الأطلسي، استقبل في القمة العربية الأخيرة والقى خطبة في الحضور !

وفي سياق آخر، يوحي انعقاد قمة مشتركة عربية ـ إسلامية في العاصمة السعودية، بالعودة من جديد إلى سياسة  "الأحلاف" الأميركية ـ البريطانية، بهدف تطويق روسيا وإبعادها عن المتوسط  والبلدان العربية ( كيلا تتجه  هذه الأخيرة شرقا ) محاكاة لحلف بغداد في سنة 1955 ، الذي منه أن يكون زناراً يمتد من باكستان إلى تركيا مروراً بإيران والعراق .

لا بد من التوضيح هنا، أننا نستحضر هذه المسألة في سياق التوصيف الدقيق للنضال التحريري الفلسطيني ضد الاحتلال والاستعمار، بالوطني الفلسطيني خدمة لمصلحة الفلسطينيين وتأكيداً لحقهم في تقرير مصيرهم.  استناداً اليه، ان الموقف من القضية الوطنية الفلسطينية ينبني على حق الفلسطينيين في العيش في بلادهم أحراراً، وليس على عصبية عربية أو دينية إسلامية مفترضة، لم تكن تاريخياً في أغلب الأحيان فاعلة وصادقة، بتعبير  آخر ما يهم في النضال الوطني التحريري هو خدمة المشروع الوطني، وليس المعتقد الديني الذي يتبناه المناصل الوطني، بالإضافة إلى أصله ونسبه .


الأكثر قراءة

اكثر من حجمه