اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

وصل صاحبنا فجأة، حيث اجتمع بدولة الرئيس ثم التقى دولة الرئيس الآخر. كالعادة جرى البحث مع كل رئيس على حدة، قصر بعبدا شاغر!

ما نعلمه عن المبعوث الأميركي أنه إسرائيلي أيضاً وأنه توكل بإنجاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين "إسرائيل" ولبنان وأن مساعيه تكللت بالغاز في كاريش وبلا شيء في قانا. لا ندري بعد، ما إذا كانت زيارته الحالية تندرج في إطار مسعى في سبيل الوصول إلى اتفاقية جديدة. كما اننا لا نستطيع القول والجزم بانه ليس موفداً من الجانب الإسرائيلي. أي أنه رابطة وصل، مباشرة، بين الدول اللبنانية من ناحية والدولة الصهيونية من ناحية ثانية.

من الطبيعي إذاً أن تحول الغيوم الكثيفة التي تحجب عنا الرؤيا في واقعنا الاجتماعي والسياسي، دون أن نتبيّن مكاننا وانتماءنا، فنحدد موقفنا ونقرر مصيرنا، فلا حول لنا ولا قوة، أبوابنا مشرعة، يدخلها من يشاء، أكثرهم يبطنون لنا السوء، بينما يخرج منها المحبون والمخلصون، وفلذات أكبادنا.

ولكن ماذا يريد المبعوث الإسرائيلي هذه المرة بينما تعسَرت أمورنا وتزداد تعقيداً؟ هل جاء طالباً استشارتنا ونصائحنا في الحرب التي أعلنتها دولته على قطاع غزة، كما لو أن لدول لبنان آراءً يؤخذ بها؟ ام أنه حل في لبنان، مهدداً، آمراً، مانعاً للدفاع عن النفس، بتعبير أدق لا يحق لنا في لبنان الدفاع عن أنفسنا، فلإسرائيل حصرياً ، "حق الدفاع عن النفس"، عنوان صدح به، حكام دول المعسكر الغربي وآلاته الإعلامية منذ 7 أكتوبر  الماضي، انعكاسا لتبني شرعية الاحتلال وتجريم المقاومة ضده. يحكى في هذا السياق، ان الترسيم البحري فرض هو أيضاً بواسطة التهديد والوعيد.

هل يعني ذلك أن نار الحرب على قطاع غزة، ستنتشر وأن الدفاع عن النفس ممنوع ؟ فما يدعم هذه الفرضية هو أن هذه الحرب مشتعلة في الوقت الحاضر في الضفة الغربية أيضاً، بمبادرة من القوات الإسرائيلية ومن أرهاط المستوطنين، حيث يرتكب هؤلاء حالياً ، في ظل الجيش الإسرائيلي، أعمالاً إرهابية على نمط أعمال عصابات الحركة الصهيونية ، قبل سنة 1948، بتشجيع ومساعدة قوات الانتداب البريطاني على فلسطين. فهل تتمدد حرب القطاع  إلى الأردن ولبنان وسورية والعراق ؟ إن الأمر لا يحتاج من وجهة نظرنا، إلى إتعاب النفس، وإتعاب جهابذة الفكر السياسي والاستراتيجي، فكل الدلائل تشير  إلى أننا  في أغلب الظن حيال مشروع "نكبة" جديدة على نمط تلك التي أشرفت على تنفيذها بريطانيا بين سنوات 1936 ـ 1948.

حججنا في هذا السياق هي الاتية:

ـ تدمير قدرات الدفاع عن النفس في العراق، ثم في سورية

ـ إخراج مصر  من الصراع

ـ الإطاحة بقدرات ليبيا على الإمداد والتموين في إطار سيرورة الدفاع النفس

ـ تفتيت السودان كقاعدة خلفية لمجهود عسكري.

وأخيراً، إن الأجيال التي حضرت وعايشت فصول المأساة الفلسطينية ـ العربية، حروباً، وتوغلات، كان توقيتها غالباً، إسرائيليا وكذلك أهدافها، يلاحظون أن ما يجري في"حرب القطاع" مختلف كلياً عما يعرفون عن حرب 1967 و1973 وعن الحرب ضد الفلسطينيين في لبنان في سنة 1982، التي تحولت في مرحلة تالية، إلى "الحرب على لبنان". مما يوحي بأنه من المحتمل أن هذه الحرب مركبة استناداً من ناحية إلى أن مسرح  العمليات في قطاع غزة، لا يتناسق من وجهة نظرنا، مع القصف الجوي الكثيف والمستمر منذ حوالى الشهر، كما لو أن الهدف منه جعل هذا القطاع، أرضاً محروقة، انسجاماً مع الأسلوب الأميركي الذي تجسد في الحروب على كوريا وفيتنام والعراق وقبلها أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث أن الغاية ليست هزيمة الخصم وإنما هي القضاء عليه قضاء كاملاً نهائياً.  فـ "إسرائيل" تحشد في حربها على قطاع غزة (360 كلم²) كل قدراتها العسكرية، أي كل ما كانت ستحشده فيما لو كانت هذه الحرب هي معاودة لحرب حزيران  1967، ينبني عليه أنها تبغي في أغلب الظن، الوصول إلى أهداف أخرى، إضافة إلى هدف تدمير القطاع وإخلائه من سكانه، وما بالك إذا أخذنا بالحسبان من ناحية ثانية حشود دول المعسكر الغربي وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية. بناء عليه لا يعقل في رأينا أن يكون الهدف من كل هذا محو أهل القطاع من الوجود وحسب.

ولكن إذا كان بالإمكان أن نتخيّل الأهداف التي تضمرها الحكومة الإسرائيلية، اليمينية المتطرفة التي تضم بين أعضائها وزير ينعت الفلسطينيين الرازحين تحت وطأة الاحتلال بالحيوانات الآدمية ويتوعد بإبادتهم عن طريق منع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عنهم، ووزير آخر يدعو إلى استخدام القنبلة الذرية، فيحق لنا نتساءل عن أهداف الولايات المتحدة الأميركية من وراء حربها على "القطاع" فليس مستبعداً أنها تقوم بمناورة في إطار الحرب على روسيا والصين، وتحديداً أن ما يجري في شرق المتوسط هو على الأرجح استعداد لفتح جبهة جديدة إلى جانب الجبهة الأوكرانية.

وأخيراً، لا بد من القول في ختام هذه المداورة أن حب الاطلاع يقودنا الى أن نتمنى معرفة فحوى الرسالتين التي سلمهما المبعوث الإسرائيلي ـ الأميركي إلى دولة الرئيس ودولة الرئيس!


الأكثر قراءة

اكثر من حجمه