اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

من نافلة القول أن اللبنانيين منقسمون فيما بينهم طائفياً وعائلياً. هنا يجب التوضيح بأن الانقسام الطائفي مزدوج، كونه من جهة انقساما فيما بين الطوائف ومن جهة ثانية هو إنقسام أيضاً في زعامة الطائفة الواحدة اصطلح على تسميته "الثنائي" وهو مصطلح صار رائجاً. بمعنى أن ثنائياً حزبياً يمسك فعليا بزمام الأمور في كل طائفة، ربما يمكننا في هذا السياق استثناء الطائفة السنية من هذا الترتيب، حيث أن المملكة السعودية تولت كما يبدو، أمر هذه الأخيرة.

من البديهي أننا نقصد بما تقدم الأحزاب الطائفية حصرياً، دون الناس الذين تدعي هذه الأخيرة تمثيلهم أو قيادتهم أو الوصاية عليهم، علماً أنه لا حول لهم ولا قوة ولا رأي، بعد أن فرضت نفسها عليهم فرضاً، بالقوة والترهيب والترغيب، اشتمل ذلك على تصفية مناضلي الحركة الوطنية في كل طائفة، معنويًا واقتصادياً وأحياناً اغتيالاً ونفياً. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى المعارك الدامية التي دارت فيما بين أحزاب الطائفة الواحدة قبل أن تستقر الأمور،غالباً نتيجة مساع وضغوط من خارج الطائفة، أحياناً أجنبية، على تقاسم السلطة على الطائفة بين فريقين "ثنائي" لكل منهما مرجعية.

لا نبالغ في القول أن الإنقسام الحاصل ليس جديداً، بل يرجع إلى عهود العثمانيين والإنتداب الفرنسي، أي إلى ما قبل تكوين "لبنان الكبير" محصلة فذلكة جنرال فرنسي أسمه غورو، وجنرالات فرنسا مشهود لهم بالفذلكة في المستعمرات، في الجزائر مثلا. فمن المعروف في هذا الصدد أن لبنان اقتطع من سورية أو قل هو جزء من سورية، ناهيك من أن نسبة ليست قليلة من سكانه المسيحيين على وجه الخصوص هم من أصول في المناطق السورية الداخلية، مما يجسد في الواقع الروابط الطبيعية والاقتصادية التي يمكننا استخلاصها بمجرد النظر إلى خريطة جغرافية.

لا نجازف بالكلام أن وحدة اللبنانيين كانت نتيجة تبعيتهم المباشرة لوال عثماني أو لمندوب سامي فرنسي أو لسلطة كولونيالية محلية، بالوكالة، الجديد في الأمر أن وظيفة هذه السلطة، او بتعبير أدق، المهام الموكلة لها تبدلت بعد حرب حزيران 1967 الكولونيالية، ولكنها عجزت عن ضبط الأوضاع، نجم ذلك في الواقع عن عدم قدرتها موضوعياً على المشاركة في الحرب الكونيالية التي بادر إلى تأجيجها المعسكر الغربي في حزيران 1967 و التي ما تزال فعلياً مستمرة متقطعة، إلى الآن.

من المعروف أن هذه الحرب الكولونيالية أدت إلى انفجار المجتمعات في الأقطار المستهدفة حيث كان الانفجار في لبنان مبكراً وكاملاً، تجسد ذلك باشتباك عميق ومعقد فيما بين الزعامات الطائفية وبغياب سلطة داخلية أو خارجية، قمينة بمعالجته، مما شرع الأبواب أمام الوساطات، عربية وغربية، تحت عنوان "المصالحة" بين اللبنانيين، بإشراف الولايات المتحدة الأميركية. كان ذلك كله دون جدوى لا سيما أن الولايات المتحدة الأميركية تقود المعسكر الغربي في حربه على المنطقة العربية بين النيل والفرات.

من البديهي في الختام أن و قوع اللبنانيين في الراهن في المأزق الخانق هو نتيجة تجميع أصطناعي لأجزاء طبيعية وسكانية من الجغرافية السورية تهاوى نتيجة زلزال حرب المعسكر الغربي المستمر في الواقع منذ الحرب العالمية الأولى.

إن خلاص لبنان من خلاص سورية وفيها.


الأكثر قراءة

اكثر من حجمه